من هو الباغي؟!!
من هو الباغي؟!!
أبو قتادة الفلسطيني
أبو
قتادة الفلسطيني: كثُر الحديث عن كلمة (البغي) في فقه السياسة الشرعية، وكثُر
استخدام الخصوم لها، في تسويغ كل طرفٍ
لفِعلِه ضد الآخر..
د.
المحيسني: هذا تأصيل دقيق للشيخ أبي قتادة حفظه الله في معرفة الباغي .. لعل
كل مجاهد يبتغي معرفة الحق يقرأها بتمعن .
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النّبي الأمين وآله وأصحابه أجمعين، أما
بعد:
فقد
كثُر الحديث عن كلمة (البغي) في فقه السياسة الشرعية، وكثُر استخدام الخصوم لها،
في تسويغ كل طرفٍ لفِعلِه ضد الآخر.. فوجب
الكلام عنها بإيجازٍ يكفي طالب العلم أن يستند إليه في تصويب الدّعوى أو ردّها في
هذا الباب.
نبّه
شيخ الإسلام في بعض كُتبِه إلى خطأِ بعض الفقهاء في تسمية كل من خرج عن الأمير
المُمَكّن أنّه باغٍ، دون النظر إلى مُقوّمات وأركان أخرى غير هذا القيد، وهو مجرد
الخروج، ونبّه إلى أنّه يُمكن أن يكون الأمير المُمَكّن هو الباغ -لما يأتي من قيد
البغي القرآني- فليس كل من خرج عن الإمام باغ، بل لابد من قيود أخرى.
نبّه
شيخ الإسلام ابن تيمية في موطن من الفتاوى إلى أمر هذا الباب فقال:
١- "كتب الحديث المصنفة كالبخاري والسنن ليس فيها باب قتال
البغاة؛ إذ ليس عن النبي ﷺ
حديث صحيح في قتال البغاة إلا حديث كوثر بن حكيم وهو موضوع، فليس فيها إلا قتال
أهل الردة والخوارج وأهل الأهواء" (٤/٤٥١).
٢-
"الإمام الحق ليس معصومًا، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل معه كل من خرج عن
طاعته، ولا يطيعه الإنسان فيما يعلم أنه معصية لله، أو أن تركه خير من فِعله،
والصحابة الذين لم يقاتلوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانوا يعتقدون أن ترك
القتال خير من القتال، أو أنه معصية؛ فلم يجب عليهم موافقته في ذلك" (الفتاوى)
٣-
"المُكرهُ على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل، بل عليه إفساد سلاحه، وأن
يصبر حتى يُقتَل مظلومًا" (٢٨/٥٣٩).
٤-
"في قتال الجَمل وصِفّين علي رضي الله عنه أولى بالحق، وتَرْكُ القتال
بالكُلّية كان خيرًا، وذلك القتال كان من قتال الفتنة (ذكره في مواطن من المنهاج
والفتاوى)..
وأهمّ
ما قاله في معنى البغي في القرآن هو:
٥-
الأصل إذا نشب قتالٌ بين طائفتين من المؤمنين أن يُسعى بالإصلاح بينهما، فإن بغت
إحداهما على الأخرى قوتلت الباغية. فقتال البغاة لم يأمر الله تعالى به ابتداءً مع
واحدة من الطائفتين، ولم يأمر بقتال كل باغ، والبغاة المأمور بقتالهم: هم الذين
بغوا بعد الاقتتال، وامتنعوا من الإصلاح المــأمور به، فصاروا بغاة مقاتلين (مواطن
من الفتاوى والمنهاج).
ويُستفاد
من هذا.. أن البغي لا يتحقق إلا بعد الصلح، فمن قاتلت بعده كانت باغية، بغض النظر
عن الإمام أو من خرج عنه، وهذا من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي﴾
[الحجرات:9].
ونبه
إلى محذور في المتقاتلين من غير الطائفة الناصحة المصلحة، وهو عمدة الشر فقال:
-
إن من وقع في تلك المحاذير كثيراً ما يدخل في أهواء الملوك وولاة الأمور، ويأمر
بالقتال معه لأعدائهم، بناءً على أنهم أهل العدل، وأولئك بغاة، وهم في ذلك بمنزلة
المتعصبين لبعض أئمة العلم أو أئمة الكلام أو أئمة المشيخة، على نظرائهم، مُدّعين
أن الحق معهم، أو أنهم أرجح، بهوى، قد يكون فيه تأويل بتقصيرٍ لا بالاجتهاد، وهذا
كثير في علماء الأمة وعبادها وأمرائها وأجنادها، وهو من البأس الذي لم يرفع بينهم.
( الفتاوى٤/٤٥٢).
وأما
المحاذير فقد ذكرها، وهي ثلاثة، وأهمها في هذا الباب قوله: "قتال من خرج عن
طاعة إمام معين، وإن كان قريبًا منه ومثله في السنة والشريعة لوجود الافتراق،
والافتراق هو الفتنة"
فهذا
محذور مما وقع فيه بعض المصنفين في هذا الباب.
فمن
عدّ كل خارج عن الإمام أو الأمير باغياً بمجرد الخروج؛ فهو غالط على الشريعة،
مُدّعياً عليها ما ليس فيها.
ومن
دُعِي لقتال من هذا النوع؛ فليعلم أنه قتال فتنة، وجب هجره واعتزاله، ومن وقع عليه
هذا القتال جاز له رده ودفعه، وهو مأجور، فإن اختار أن يعتزل بلا دفع؛ فهو أولى
إلا أن يكون في اعتزاله فساد لدينه أو لماله أو لنفسه، فهو داخل في قوله: «من قاتل دون ماله فهو شهيد».
والله الموفق
تعليقات
إرسال تعليق